المجتمع المدني يدفع نحو الاعتراف بالبذور الأصيلة بموجب القانون

لا يحمي القانون التونسي المتعلّق بالبذور والشتلات والأصناف النباتية المدرجة في السجل الرسمي، بذور الفلاحين ويذهب إلى حد منع بيعها وتبادلها. الوضع جد غريب في بلد يمتلك موروثا من البذور ذي جودة وحيث تواتر نقص الموّاد الغذائيّة الاساسيّة أصبح أكثر فأكثر.
ويواصل القانون المؤرّخ في 10 ماي 1999 في توزيع البذور المهجنة وغير قابلة للتكاثر في شكل « حزم تقنية »، تقدمها شركات البذور، مرفوقة بأسمدة تضر بالتنوّع البيولوجي والنظم البيئية، ذلك ما أكّده الخبراء، الذين شاركوا في دورة تكوينية نظمتها الجمعيّة التونسيّة للزراعة المستديمة لفائدة الصحفيين أيّام 15 و16 و17 فيفري 2023 حول « البذور والسياسات الفلاحيّة والغذائيّة في تونس ».
وأشار منسق مشروع الجمعيّة المتعلّق ب »بذور الفلّاحين »، فرج كوّاش، أنّه في السياق الحالي، الذّي يتسم، بتنامي انعدام الأمن الغذائي وحتّى يستعيد التونسيون التحكم في غذائهم ووصحّتهم وبيئتهم ، عليهم أن يعوا، أوّلا، بضرورة حماية الممارسات الفلاحية والبذور المحلية ، التي تمّ التخلّي عنها والمهددة بالقرصنة الحيوية (الاستيلاء عليها من قبل الشركات متعددة الجنسيات باعتماد براءات الاختراع) من قبل « لوبيات » الصناعة الزراعية ». وتابع كوّاش قائلا، « لأن الإنتاج الفلاحي لا يمكن أن يكون مستديما دون بذور متنوّعة ومتأقلمة مع التربة وقابلة للتكاثر فإن المقاييس، التّي يمكن أن تستجيب لها بذور الفلاّحين، تعتبر خارج مسارات الهندسة الوراثية والتكنولوجيا الحيوية ».
دعوة لمراجعة القانون تعمل الجمعيّة التونسيّة للزراعة المستديمة بالشراكة مع هياكل الدولة والمزارعين والفلّاحين التونسيين الناشطين في مجال الفلاحة المستديمة، في مناطق الجنوب وغيرها، لجمع واعادة ادماج وإنقاذ البذور المحليّة.
كما تعمل الجمعيّة على الترويج والتشجيع على ممارسة فلاحة محترمة للبيئة من خلال تعزيز ومصاحبة صنف جديد من ريادة الأعمال ويتعلّق الأمر بالريادة في مجال الفلاحة الإيكولوجية.
وطالبت الجمعيّة بمراجعة الإطار التشريعي، المنظم لقطاع البذور في تونس والذي يعود تاريخه إلى سنة 1999 من أجل تطوير هذا الصنف من النشاط الفلاحي المستديم والقادر على مقاومة مختلف التحديات والاعتراف بالبذور الأصيلة.
وأوضح كوّاش، أنه يمكن إجراء هذه المراجعة من خلال اعداد قانون أو سجل مخصص للبذور المحليّة على غرار الإطار القانوني، المقترح من قبل التحالف الإفريقي من أجل السيادة الغذائية، الذي يهدف إلى تحقيق الأمن الغذائي. والتصدي لهيمنة الأنظمة الإفريقية للبذور المحليّة من قبل الشركات متعددة الجنسيّات.
وأضاف قائلا، « إن هذا الإجراء من شأنه أن يوفر، لفائدة صغار الفلاّحين، بذورا محليّة عالية الجودة فضلا عن وحماية أنظمة البذور والممارسات الفلاحية الأصيلة بصفة عامّة « .
وذهب كوّاش إلى حد اعتبار أنّ القانون التونسي، المنظم لمجال البذور والأصناف النباتية لا يتلاءم مع السياق المحلي. وهذا القانون تمّ « إملاؤه » من قبل الاتحاد الدولي لحماية الأصناف النباتية الجديدة وهو منظمة ما بين الحكومات يقع مقرها بجنيف (سويسرا). وتأسّس الإتحاد الدولي لحماية الأصناف النباتية بموجب الاتفاقية الدولية لحماية الأصناف النباتية الجديدة، المعتمدة في باريس سنة 1961. وتتمثل مهمّة الاتحاد في « إنشاء وتعزيز نظام ناجع لحماية أصناف النباتات لصالح الجميع ». وتجدر الإشارة إلى أن السكرتير التنفيذي لتحالف حماية التراث الجيني الإفريقي، جون بول سيكيلي، قدر أنه يمكن لتونس مراجعة قانون البذور من خلال الاستفادة من التطورات الإقليمية والدولية. كما أوصى الخبير، الذّي تمّت استشارته من قبل الجمعيّة التونسيّة للفلاحة المستديمة، بالاستفادة بشكل أفضل من أحكام المعاهدة الدولية بشأن الموارد الوراثية النباتية للأغذية والزراعة وإعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الفلاحين وغيرهم من العاملين في المناطق الريفية. واعتبر أن هذه الأطر الدوليّة تعزز مسألة ترتيب الأولويات والاعتراف الصريح بحق الفلاحين في امتلاك بذورهم.
حماية البذور الأصيلة: مسألة تتعلّق بالصحّة العموميّة يعمل المجتمع المدني في تونس، من ذلك الجمعيّة التونسيّة للفلاحة المستديمة، على رفع مستوى الوعي بالغذاء الصحّي من خلال تنظيم المبادرات المواطنية. وبات غالبية التونسيين واعون بالآثار الضارّة للمبيدات الكيميائية، التّي غالبا ما تستخدم في الزراعة المكثفة، ويبحثون اليوم عن بديل آخر من أجل الاستهلاك الصحي. وسيتم، من هذا المنطلق، تنظيم النسخة الأولى من مهرجان « ماكلتي تونسيّة »، الذي سينتظم في إطار البرنامج الإفريقي « طعامي إفريقي »، يومي 4 و5 مارس 2023 في شبدة ببن عروس (الضاحية الجنوبية لتونس).
وتهدف هذه المبادرة إلى تعزيز النظام الغذائي التونسي الصحّي، الذّي يتيح الحفاظ على تربة صحية وطعام آمن وأنظمة غذائية متنوّعة. وقالت الدكتورة بالمعهد الوطني للتغذية والتكنولوجيا الغذائية، شيراز باجي، « لقد حان الوقت لإعادة التفكير في أنظمة الغذاء وتغيير طرق الإنتاج والتسويق والاستهلاك. وأكّدت باجي، أنهّ بالإمكان « ضمان النظم الغذائية المستديمة من خلال تنمية الزراعة المحلية واعتماد المسالك القصيرة في توزيع المنتوجات الفلاحية والبيع المباشر بين المنتجين والمستهلكين.والأسواق المحليّة ». وأضافت قائلة،  » إنّها، أيضا، مسألة إعادة تعلّم كيفية تطوير الزراعة الحضرية وشبه الحضرية في إطار الاقتصاد التضامني والاجتماعي.
وفي مواجهة نقص الصرامة والشفافية في ما يتعلّق بتوريد المبيدات ذات الاستعمالات الفلاحيّة المحظور استعمالها في بلدان الاتحاد الأوروبي وتراجع دور الارشاد الفلاحي في مصاحبة الفلاّحين فإنّ المخاطر على صحّة الإنسان أصبحت أكثر فأكثر في تونس وفي البلدان السائرة نحو النمو، المورّدين الأساسيين لهذه المبيدات.
وأظهر تقرير لجمعيّة التنشأة البيئية للأجيال القادمة تمّ إعداده بالتعاون مع الشبكة الدوليذة لأجل إلغاء الملوّثات، نشر في سنة 2020، أنّ أكثر من 33 نوع مبيد خطير يتواصل توريدها الى تونس في حين أنّها ممنوعة في أوروبا.
وتمّ تأكيد الرابط بين عديد الأمراض والاستعمالات من المبيدات المستخدمة في المجال الفلاحي بفضل عديد الأبحاث والدراسات الدولية والوطنية من ذلك تقرير جمعيّة التنشأة البيئية للأجيال القادمة حو « مخلّفات المبيدات ضمن سلسلة الغذاء » الذّي أعدته سنة 2006.
وفي مواجهة هذه المخاطر ولتحقيق السيادة الغذائية دعا رئيس مرصد السيادة الغذائية والبيئة، حبيب العايب، إلى « ثورة زراعية مع إصلاح جذري لتحديد المساحات الدنيا والقصوى للمساحات الفلاحية (سقف لتفادي الاحتكار والتراكم) ومنع تصدير المواد الفلاحية قبل الاستجابة لمجمل الحاجيات على المستوى الوطني ومنع استعمال المبيدات والأسمدة الكيميائية، وأيضا، الري في المناطق القاحلة وخارج الواحات القديمة ».

عن Radio RM FM

شاهد أيضاً

100 نقطة للنهوض بقطاعات الشباب والرياضة والطفولة والثقافة بالمنستير

مثلت المشاغل والمشاكل في قطاعات الشباب والرياضة، والثقافة، وشؤون الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن محور …