نشرت الصفحة الرسميّة للمحكمة الإداريّة اليوم السبت 06 جوان 2020، عيّنة من حكم قضائي كان صدر يوم 3 ماي 2019 يقضي بإلغاء قرار إداري (إجراء حدودي يعرف بـ S 17) اتخذته وزارة الداخليّة ضد أحد المواطنين.
وأوضح الناطق الرسمي باسم المحكمة الإدارية عماد الغابري، في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء اليوم السبت، أن المحكمة كرست من خلال هذا الحكم جملة من المبادئ المتعلقة بعدم شرعية الإجراء الحدودي (s17 (، وهي عيّنة من فقه قضاء متواتر معتمد منذ أكثر من سنتين، وفق تعبيره.
وأوضح الغابري أنّ نشر الأحكام على الصفحة الرسميّة للمحكمة فيه استجابة لجانب أكاديمي، من حيث إطلاع المختصّين والرأي العام عموما على فقه قضاء المحكمة في ما يتعلق بنصّ الحكم تضمّن جانبا أكاديميا يعرّف قضايا الإجراء الحدودي أو ما يعرف ب »s17″ وارتبط بملف تعلّق بحريّات عامّة ويعكس موقف القضاء الإداري من إشكال قانوني معيّن.
كما بيّن أنّ الدوائر التي ذهبت إلى إلغاء الإجراء قد استندت إلى عنصرين إثنين، الأوّل تعلّق بغياب إطار تشريعي لهذا الإجراء، أي أنّ « الترسانة » القانونيّة الوطنيّة لم تتضمّن نصا بمرتبة التشريع يجيز للإدارة استعمال هذه الصلاحيّة الاستثنائيّة (وزارة الداخليّة)، كما أنّ الإدارة أقرّت لنفسها هذا الحق دون سند قانوني وفي ذلك مخافة صريحة للدستور وللمواثيق الدوليّة، وفق ذات المصدر.
أمّا العنصر الثاني الذي استندت إليه الدوائر القضائيّة للمحكمة، فهو غياب الحجج والمؤيّدات التي تثبت وتؤكّد أنّ الشخص الذي تمّ اتخاذ الإجراء ضدّه يمثّل تهديدا للأمن العام، حسب الغابري، الذي أوضح أنّ المحكمة لا تلجأ آليا إلى إلغاء هذا الصنف من القرارات، بل إنها في حالات ثبوت التهديد للأمن العام تقرّ جوازه حماية للأمن العام.
وقضت المحكمة في نصّ الحكم المنشور بقبول الدعوى التي تقدّم بها المدّعي « السعيدي » تحت عدد 1555750 في 30 أوت 2018 للطعن في قرار وزارة الداخليّة القاضي بإخضاعه للإجراء الأمني s17 وبإلغاء القرار المطعون فيه مع تحميل المصاريف القانونيّة على الدولة.
وأوضحت أنّ التقرير المدلى به من قبل وزير الداخلية في الردّ على عريضة الدّعوى والمتضمّن طلب الحكم برفضها جاء فيه أن « التحرّيات الأمنية أثبتت أنّ المدعي عنصر سلفي تكفيري مصنّف خطير وتابع للتنظيم الإرهابي ومصنّف خطير جدّا على الأمن العام « .
لكنّها في المقابل أشارت إلى أنّه تعذّر على وزارة الداخليّة تقديم الوثائق المطلوبة في الغرض التي تبرّر قرارها الصادر بالنظر إلى أنّ المعلومات الاستخباراتيّة لا تتّخذ شكلا ماديّا ملموسا في أغلب الأوقات، مضيفة أنّه في صورة وجودها فإنّها تتّسم بطابعها السرّي.
كما أكّدت المحكمة أنّ الأسباب التي تحجّجت بها الإدارة لا تُكسي القرار المطعون فيه التعليل المستساغ قانونا ولا تعتبر عنصرا كافيا للتحقّق من صحّة ما دفعت به ومن مدى مطابقته للقانون، موضّحة أنّها اكتفت بتعليل قرارها بأسباب تتعلّق بحفظ الأمن والنظام العامين للبلاد دون أن تقدّم للمحكمة ما يؤكّد أنها قامت بالتحريات والأبحاث اللازمة التي تثبت خطورة المعني بالأمر على أمن الدولة.
وفي هذا الجانب ذكرت المحكمة جملة من الفصول على غرار الفصلين 24 و49 من الدستور والمعاهدات الدوليّة التي نصّت على حريّة كل مواطن في التنقّل وفي اختيار مقرّ إقامته والحق في مغادرته.
وأوضحت في هذا الجانب أنّ القانون الوطني لم يتضمّن أيّ نصّ تشريعي يحدّ من حريّة تنقّل الأشخاص غير الخاضعين لعقوبات أو إجراءات سالبة للحريّة إلا في حالتين اثنتين، الأولى نصّت عليه المجلّة الجزائيّة والثانية مجلّة الإجراءات الجزائيّة في فصلها 86 بسماحها باتخاذ تدابير تحدّ من حريّة التنقّل.
كما بيّنت أنّ القرارات التي تصدر عن الإدارة تطبيقا للمقتضيات المتعلّقة بالحدّ من الحقوق والحريات تخضع بالضرورة إلى رقابة القاضي الإداري بغاية التأكّد من سلامة مبناها ومدى احترامها للضوابط القانونيّة بحريّة التنقّل
يذكر أنّ الإجراء الحدودي S 17هو إجراء تتخذه وزارة الداخليّة ضدّ مشتبه بهم في قضايا إرهابيّة، « يشكّلون تهديدا على الأمن العام للبلاد التونسيّة »، وفق تقديرها، غير أن هذا الإجراء أحدث جدلا في عديد الأحيان وواجه رفضا لدى مكوّنات من المجتمع المدني، رأت فيه مسّا من حقوق الأفراد وحرياتهم، التي يكفلها الدستور والمواثيق الدولية.
المصدر (وات)