تعيش تونس خلال هذه الفترة على وقع الانتخابات الرّئاسية المقرّر إجراؤها يوم 6 أكتوبر 2024، وسينتخب خلالها التونسيون رئيسا للجمهورية لعهدة مدتها خمس سنوات.
وهذه الانتخابات هي الأولى منذ وضع دستور جديد للبلاد سنة 2022، الذي أسس لما بات يعرف بـالجمهورية الثالثة منذ إعلان النظام الجمهوري بعد الاستقلال
وعرفت تونس منذ إعلان الجمهورية سنة 1957 ثلاثة دساتير، وهي دستور 1959 (أدخلت عليه عديد التعديلات إلى غاية 2008) ودستور جانفي 2014، وهو الدّستور الذي أعقب ثورة 17 ديسمبر 2010 /14 جانفي 2011. أما الدّستور الثالث فجاء بعد استفتاء شعبي يوم 25 جويلية 2022 وعقب الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها رئيس الجمهوريّة قيس سعيّد في 25 جويلية 2021، من بينها حلّ مجلس نواب الشعب
وكانت صلاحيات رئيس الجمهوريّة في هذه الدّساتير الثلاثة متفاوتة، إذ شهدت تعديلات وتغييرات كثيرة حسب النّظام السّياسي المعتمد
وفيما يلي أبرز صلاحيات رئيس الجمهورية في دساتير ما بعد الاستقلال:
صلاحيات رئيس الجمهورية في دستور 1959
تمتّع رئيس الجمهورية في الدستور المصادق عليه في 1 جانفي 1959، بصلاحيات مهمّة تتمثّل في تعيين الوزير الأول وبقية أعضاء الحكومة باقتراح من الوزير الأول، وترؤس مجلس الوزراء، وإنهاء مهام الحكومة أو عضو منها تلقائيا أو باقتراح من الوزير الأول، فضلا عن أنه يسهر على تنفيذ القوانين ويمارس السلطة الترتيبية العامة وله أن يفوّض جزء من هذه السلطة الى الوزير الأول.
ويشهر رئيس الجمهورية الحرب ويبرم السلم بموافقة مجلس النواب، وله حق العفو الخاص، كما أنه يوجّه السياسة العامة للدولة ويضبط احتياراتها السياسية ويعلم بها مجلس النواب.
ويتمتّع رئيس الجمهورية أثناء ممارسة مهامه بحصانة قضائية. كما ينتفع بهذه الحصانة بعد انتهاء مباشرته لمهامّه بالنّسبة إلى الأفعال التي قام بها بمناسبة آدائه لمهامّه (أضيفت هذه الفقرة في تعديل سنة 2002).
ورئيس الجمهوريّة هو القائد الأعلى للقوّات المسلّحة، ويبرم المعاهدات. وفي حالة خطر داهم (..) لرئيس الجمهورية اتخاذ ما تحتمه الظروف من تدابير استثنائية بعد استشارة الوزير الأول.
ويسند رئيس الجمهورية باقتراح من الحكومة الوظائف العليا المدنية والعسكرية.
وجرى اعتماد هذا الدّستور لمدة 52 عاما (من 1 جانفي 1959 إلى غاية جانفي 2011) وتمّ تعليق العمل به بعد ثورة 17 ديسمبر/14 جانفي 2011.
وشهد الكثير من التعديلات والتغييرات صلبه خاصّة بعد سنة 1987 (بعد تنحية الرّئيس الحبيب بورقيبة وتولّي الوزير الأول آنذاك زين العابدين بن علي منصب الرّئاسة). ومن أبرز هذه التعديلات إلغاء بند الرّئاسة مدى الحياة الذي تم إقراره سنة 1975.
صلاحيات رئيس الجمهورية في دستور جانفي 2014
جاء دستور الجمهوريّة الثانية عقب ثورة في 17 ديسمبر/14 جانفي 2011، بعد انتخاب مجلس تأسيسي مهمته كتابة دستور جديد للبلاد، ودامت أعماله ثلاث سنوات.
وينص هذا الدّستور على نظام حكم بـثلاثة رؤوس، تتمثّل في سلطة برلمانية وسلطة تنفيذية تضم رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهوريّة، إذ كانت صلاحيات رئيس الجمهورية في هذا الدّستور محدودة ومختلفة جوهريا عن دستور 1959.
ويتولّى رئيس الجمهورية، وفق دستور 2014، تمثيل الدولة ويختص برسم السياسات العامة في مجالات الدّفاع والعلاقات الخارجية والأمن القومي المتعلق بحماية الدولة والتراب الوطني من التهديدات الداخلية والخارجية وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة، وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة.
ومن صلاحيات رئيس الجمهورية إعلان الحرب وإبرام السلم بعد موافقة مجلس نواب الشعب بأغلبية ثلاثة أخماس أعضائه، وإرسال قوات إلى الخارج بموافقة رئيسي مجلس نواب الشعب والحكومة، على أن ينعقد المجلس للبت في الأمر خلال أجل لا يتجاوز ستين يوما من تاريخ قرار إرسال القوات.
كما يتولّى رئاسة مجلس الأمن القومي ويدعى إليه رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب، وله أن يحلّ مجلس نواب الشعب في الحالات التي ينصّ عليها الدستور، واتخاذ التدابير التي تحتمها الحالة الاستثنائية، والإعلان عنها طبق الفصل 80.
من صلاحياته المصادقة على المعاهدات والإذن بنشرها وإسناد الأوسمة والعفو الخاص.
كما يتولّى رئيس الجمهوريّة تعيين مفتي الجمهورية وإعفاءه، والتعيينات والإعفاءات في الوظائف العليا برئاسة الجمهورية والمؤسسات التابعة لها، فضلا عن التعيينات والإعفاءات في الوظائف العليا العسكرية والدبلوماسية والمتعلقة بالأمن القومي بعد استشارة رئيس الحكومة.
كما يختم رئيس الجمهورية القوانين ويأذن بنشرها بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية.
ويتمتع رئيس الجمهورية بالحصانة طيلة توليه الرئاسة، وتعلق في حقه كافة آجال التقادم والسقوط، ويمكن استئناف الإجراءات بعد انتهاء مهامه، ولا يسأل رئيس الجمهورية عن الأعمال التي قام بها في إطار آدائه لمهامه.
وبمقتضى الفصل 88 من دستور 2014، يمكن لأغلبيّة أعضاء مجلس نوّاب الشّعب المبادرة بلائحة معلّلة لإعفاء رئيس الجمهوريّة من أجل الخرق الجسيم للدّستور، ويوافق عليها المجلس بأغلبيّة الثّلثين من أعضائه، وفي هذه الصّورة تقع الإحالة إلى المحكمة الدّستوريّة للبتّ في ذلك بأغلبيّة الثّلثين من أعضائها.
ولا يمكن للمحكمة الدّستوريّة أن تحكم في صورة الإدانة إلاّ بالعزل. ولا يعفي ذلك من التّتبّعات الجزائيّة عند الاقتضاء. و يترتّب على الحكم بالعزل فقدانه لحقّ التّرشّح لأيّة انتخابات أخرى.
صلاحيات رئيس الجمهوريّة في دستور 2022
أعاد دستور 2022 العمل بالنظام الرئاسي، إذ أسند صلاحيات واسعة لرئيس الجمهورية مقارنة بدستور 2014.
ووفق دستور 2022، فإن رئيس الجمهوريّة هو الضّامن لاستقلال الوطن، وسلامة ترابه ولاحترام الدّستور والقانون ولتنفيذ المعاهدات، وهو يسهر على السّير العاديّ للسّلط العموميّة ويضمن استمراريّة الدّولة. ويترأّس مجلس الأمن القوميّ، وهو القائد الأعلى للقوّات المسلّحة. ويتمتّع بحقّ العفو الخاصّ.
ويشهر رئيس الجمهوريّة الحرب ويبرم السّلم بموافقة الأغلبيّة المطلقة لأعضاء مجلس نوّاب الشّعب.
ويعيّن رئيس الجمهوريّة رئيس الحكومة، وبقيّة أعضاء الحكومة باقتراح من رئيسها. كما ينهي مهامّا أو عضو منها تلقائيّا أو باقتراح من رئيس الحكومة.
ويمكن له، في حالة خطر داهم (..) اتّخاذ ما تحتّمه الظّروف من تدابير استثنائيّة بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نوّاب الشّعب ورئيس المجلس الوطنيّ للجهات والأقاليم.
ولرئيس الجمهوريّة أن يعرض على الاستفتاء أيّ مشروع قانون يتعلّق بتنظيم السّلط العموميّة أو يرمي إلى المصادقة على معاهدة يمكن أن يكون لها تأثير على سير المؤسّسات دون أن يكون كلّ ذلك مخالفا للدّستور.
كما يضبط رئيس الجمهوريّة السّياسة العامّة للدّولة ويحدّد اختياراتها الأساسيّة ويعلم بها مجلس نوّاب الشّعب والمجلس الوطنيّ للجهات والأقاليم.
ويختم رئيس الجمهوريّة القوانين الدّستوريّة والأساسيّة والعاديّة، ويسهر على نشرها بالرّائد الرّسميّ للجمهوريّة التّونسيّة، ويسهر على تنفيذ القوانين ويمارس السّلطة التّرتيبيّة العامّة.
كما يسند رئيس الجمهوريّة، باقتراح من رئيس الحكومة، الوظائف العليا المدنيّة والعسكريّة.
ويمتّع رئيس الجمهوريّة بالحصانة طيلة تولّيه الرّئاسة، وتعلّق في حقّه كافّة آجال التّقادم والسّقوط، ويمكن استئناف الإجراءات بعد انتهاء مهامّه. ولا يُسأل عن الأعمال التي قام بها في إطار أدائه لمهامّه. “