يوجد شيء مشترك بين كل من مخاوفك وضغوطك وقلقك. وهو أنك تشعر بها عن طريق زوج من تجمعات الخلايا العصبية في حجم حبة البازلاء، يُسمى لوزة المخيخ، ويوجد في عمق الدماغ. إذاً ماذا لو كنت تستطيع السيطرة على لوزة المخيخ الخاصة بك؟ ماذا لو كنت تستطيع تغيير دماغك وأن تصبح أكثر هدوءاً وشجاعة؟
لهذه الفكرة جاذبية خاصة مع الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب والقلق واضطراب ما بعد الصدمة. ولكن الكلام أسهل من الفعل. لوزة المخيخ هي جزء القديم في الدماغ يؤدي وظيفته بشكل تلقائي، دون الاكتراث لكثير من الأوامر من أجزاء أكثر وعياً في العقل. لا يمكنك أن تأمر لوزة مخيخ شديدة الحساسية بالهدوء.
لكن هناك أسلوباً لتدريب المخ يعرف باسم المراجعة العصبية قد يساعد الناس على العثور على وسيلة لتغيير مثل تلك العمليات الدماغية اللا إرادية والتلقائية. في السنوات الأخيرة كان يجري تطوير هذا الأسلوب وصقله لمعالجة مشكلات الصحة العقلية.
يشمل العلاج مراقبة نشاط المخ آنياً باستخدام تخطيط موجات الدماغ (EEG) أو تصوير الرنين المغناطيسي على الدماغ، وعرض هذه الأنماط من النشاط على الشخص ليحاول تعزيزها أو الحد منها، في الأساس، ليحاول تغيير كيفية عمل الدماغ.
السيطرة على نشاط الدماغ
في دراسة جديدة نُشرت الشهر الماضي في مجلة الطب النفسي البيولوجي، وضع الباحثون سلسلة من التجارب لاستخدام تقنية المراجعة العصبي لتعليم عشرات من الأشخاص طريقة تنظيم نشاط لوزة المخيخ عندهم، بحسب تقرير النسخة الأسترالية من “هافينغتون بوست”.
تقول تالما هندلر، الطبيب النفسية وعالمة الأعصاب في مركز تل أبيب لوظائف الدماغ “كان المشاركون قادرين على استخدام هذا النموذج الجديد من تخطيط موجات الدماغ EEG لتعلم كيفية السيطرة على نشاط الدماغ في منطقة عميقة من المخ وهي لوزة المخيخ”.
قراءة إشارات المخ من مناطق عميقة في الدماغ أمر صعب، خصوصا باستخدام وسيلة رخيصة ومتوفرة. يمكن للتصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي أو FMRI، الوصول إلى هذه المناطق، ولكن الجهاز معقد، وهو مغناطيس عملاق لا يمكنك استخدامه في المنزل حتى لو كان بإمكانك تحمل تكلفته.
من ناحية أخرى، تخطيط موجات الدماغ أرخص وأبسط. وهي تنطوي أساساً على عدد قليل من الأقطاب التي توضع على فروة الرأس. الجانب السلبي لها هو أنها لا تستطيع تكبير الأجزاء العميقة من الدماغ بدقة.
لذلك، جمع الباحثون بين الطريقتين. استخدموا التفاصيل التي يقدمها الرنين المغناطيسي الوظيفي لاستخلاص إشارة لوزة المخيخ من النشاط الكهربي الذي التقطه تخطيط الموجات الدماغية.
تقول هنلدر “تتيح هذه الطريقة التصوير المنزلي الذي يستهدف مناطق الدماغ ذات الصلة بصحتنا النفسية” وتضيف “إنه يفتح آفاقاً واسعة من احتمالات العلاج للمصابين بأمراض عقلية، وللجميع أيضا بشكل يومي كأداة تمكينية للنشاط العقلي والصحة العامة”.
في التجربة طلبت هندلر وزملائها من المتطوعين الاستماع إلى صوت معين. بعد ذلك طُلب منهم خفض درجة الصوت عن طريق “ممارسة الاستراتيجيات العقلية”.
تبدو هذه وكأنها تعليمات غامضة. ما هي الاستراتيجيات العقلية التي يمكنها -بطريقة التخاطر على ما يبدو- التحكم في درجة الصوت؟ لا أحد يعرف حقاً، وهذه هي الفكرة نوعاً ما. على المشاركين محاولة عدة طرق مختلفة في التفكير -وبالتالي تغيير نشاطهم الدماغي- حتى يعثروا على نمط النشاط الفعال.
ما لم يعرفه المشاركون هو أن درجة الصوت كانت مبرمجة على التغيير على أساس النشاط الكهربائي للوزة المخيخ الخاصة بهم، وتنخفض إذا تمكن المشاركون من تخفيف هذا النشاط. بعبارة أخرى، كانوا يستمعون إلى إشارات لوزة المخيخ الخاصة بهم، متنكرة على هيئة صوت.
قد يعالج حالات الصحة النفسية مستقبلاً
أظهرت سلسلة من الاختبارات بعد ذلك، أن هذه اللعبة تساعد المشاركين على أن يكونوا أكثر قدرة على تنظيم نشاط لوزة المخيخ لديهم. واستجابة إلى عرض سلسلة من الصور، على سبيل المثال، بدت لوزة المخيخ لدى المشاركين أقل حساسية مقارنة بأشخاص في مجموعة أخرى توهموا العلاج بالمراجعة العصبية.
كان المشاركون في هذه الدراسة أصحاء. لكن هندلر تعتقد أن الأشخاص الذين يعانون من مشاكل الصحة العقلية سيستجيبون أيضاً للتدريب بالمراجعة العصبية.
تضيف هندلر “لدينا بالفعل إشارات (غير منشورة بعد) على أن الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب أو الألم المزمن أو اضطرابات ما بعد الصدمة، قادرون على التعلم والاستفادة بشكل كبير من هذا التدريب”.
قالت هندلر إنه إذا ثبت أن هذه الطريقة مفيدة في علاج حالات الصحة النفسية في المستقبل، سيمكن استخدام هذا العلاج الشخصي منخفض التكلفة في المنزل كعلاج تكميلي مع الأدوية وأحياناً لاستبدالها.