بعد أن كان تغيير واقعهم حلما صعب المنال، بدأ التفاؤل يعود شيئا فشيئا إلى أهالي قرية سيدي الجديدي من معتمدية الحمامات التي اكتسبت شهرتها من “حمام بنت الجديدي للاستشفاء بالمياه المعدنية الحارة” خاصة بعد القرارات الأخيرة التي شملت هذه المنطقة والمتعلقة ببعث قرية سياحية بها تساهم في خلق ديناميكية اقتصادية واجتماعية جديدة وتثمن الامكانيات الطبيعية المتميزة في المنطقة فضلا عن ربط هذه البلدية بشبكة الديوان الوطني للتطهير.
لم تسغرق صياغة التصور العملي للمشروع فترة طويلة بعد ان كلفت لجنة مشتركة من مختلف الإدارات الجهوية المعنية بزيارة المنطقة لتحديد أولويات التدخل وسبل تجسيم فكرة المشروع مع المحافظة على الطابع التقليدي للمنطقة وضمان انجاز مشروع صديق للبيئة يدفع باتجاه تطوير السياحة البيئية والثقافية.
وأكّدت والية نابل صباح ملاك، خلال اخر اجتماع للجنة قيادة المشروع نهاية الأسبوع الماضي، على ضرورة التعجيل بالانطلاق في المراحل العملية لتنفيذ فكرة المشروع انطلاقا من “إعادة الحياة لحمام بنت الجديدي” باعتباره النواة الرئيسية لمشروع بعث القرية السياحية معلنة بالمناسبة أن المشروع حظي بموافقة المجلس الجهوي لولاية نابل في آخر اجتماع له وهو ما “يمثل دعما هاما للانطلاق في المراحل العملية للانجاز”.
وكشفت في ذات السياق أن الولاية تعمل على تعبئة اعتمادات بنحو 3.5 ملايين دينار ستوجه أساسا لصيانة مختلف مكوّنات الحمام وإعادة تأهيله ليصبح نقطة إشعاع تستقطب الزوار وتوفر لهم أرقى خدمات الإقامة والاستشفاء بالمياه المعدنية الحارة بعد ما عرفه من “إهمال وتدهو للبنايات والأسقف وتدن لمستوى الخدمات وخاصة في فضاءات الإقامة” على حد قولها.
ومن جهته، بيّن المدير الجهوي للتجهيز عبد الكريم العمري أن التّقرير الذي أعدّته لجنة من الإدارة الجهوية خلص إلى ضرورة انجاز أعمال صيانة وإعادة تاهيل لمجموع 46 وحدة سكنية قديمة بالحمام وانجاز أعمال صيانة خفيفة ب48 وحدة سكنية جديدة مبينا أن مختلف التدخلات التي ستشمل كذلك “دار كشلا” وهي وحدة سكنية متكونة من 14 غرفة ستشهد تدخلات لصيانة شبكة الكهرباء وفتح نوافذ للتهوئة باغلب الوحدات السكنية لوقايتها من الرطوبة وصيانة الشبكة المهترئة لتصريف المياه.
كما ستشمل أعمال الصيانة التي نص عليه تقرير اللجنة الجهوية للتجهيز، صيانة منشأة بئر المياه الحارة وصيانة معداتها وصيانة محطة الضخ التي ستنجز على قسطين من أجل التقليص أكثر ما يمكن في آجال التنفيذ مقدرا تكلفة الأشغال المبرمجة بأكثر من 3 ملايين دينار.
وقدّرت والية نابل في تصريح ل/وات/ أن تنطلق الأشغال فعليا خلال شهر نوفمبر القادم على أقصى تقدير، على أن لا تتجاوز مدّتها 6 أشهر موضّحة أن اتخاذ قرار إصلاح الحمام وإعادة تهيئته مرده ” الحاجة العاجلة لانقاذ هذا المعلم وحماية رواده وذلك بصيانته وإعادة تأهيله مع المحافظة على خصوصياته التقليدية خاصة أنّه يمثّل مصدر الرزق الرئيسي لأهالي المنطقة وقبلة للزوار من متساكني الوطن القبلي ومن عديد جهات الجمهورية الذين تعودوا على الاستشفاء بالمياه الحارة بالحمام وعلى قضاء فترات طويلة بالوحدات السكنية الموجودة به والتي تمتد من أسبوع الى أربعة اسابيع في فصل الشتاء من كل سنة.
أكّد المندوب الجهوي للسياحة بنابل وحيد بن فرج خلال اجتماع لجنة قيادة مشروع القرية السياحية بسيدي الجديد ان لمنطقة سيدي الجديدي من المؤهلات الطبيعية والثقافية التي تؤهلها ” لتكون عنوانا للسياحة البديلة والمستدامة” التي تقوم على تثمين المخزون اللامادي والاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية مبرزا امكانية إدراج مشروع القرية السياحية بسيدي الجديدي ضمن مشروع التعاون بين وزارة السياحة والاتحاد الاوروبي “تونس وجهتنا” والذي يهدف لتثمين السياحة الداخلية وإحداث مواطن شغل من خلال التركيز على الصناعات التقليدية والسياحة الثقافية والبيئية وفنون الأكل والرياضة.
وأعلن أن مندوبية السياحية بنابل ستتولى بدعم من ولاية نابل ترشيح مشروع بعث القرية السياحية بسيدي الجديد ضمن برنامج “تونس وجهتنا ” مؤكدا أن بعث القرية السياحية بات ممكنا ويحتاج إلى إعادة إحياء المسلك السياحي الحمامات سيدي الجديدي زغوان وإدراجه ضمن برامج الرحلات السياحية والاستطلاعية.
وأشار إلى أن استثمار المحيط الجبلي الطبيعي المحيط بالنواة الرئيسية للقرية السياحية وهو حمام بنت الجديدي يوفر امكانيات كبيرة لتطوير سياحة التجوال والتخيم ولدفع السياحية الرياضية اما للتجوال وصعود المرتفعات أو باستعمال الدراجات الهوائية الجبلية مبرزا امكانية دفع الاندماج السياحي في المنطقة خاصة بايجاد صيغ للتعاون مع عدد من الباعثين الذين انجزوا مشاريع لأنماط الايواء الجديدة ومن بينها مشاريع إقامات ريفية واستضافات عائلية بمنطقة سيدي الجديدي.
واوضح من جهة اخرى ان بلدية سيدي الجديدي بصدد إعداد ملفها للترشح لتدرج ضمن البلديات السياحية وهو ما سيفتح لها آفاقا كبيرة للدعم والتمويل من صندوق حماية المناطق السياحية مبرزا وجود امكانيات كبيرة لتخصيص جناح لإقامة السياح الأجانب بالحمام يتكون من غرف تحافظ على طابعها التقليدي المتميز وتمكن السائح من التعرف على عادات زيارة الحمام والاستشفاء بالمياه الحارة.
ولفت من جهة أخرى إلى وجود امكانيات كبيرة للعمل على تثمين التراث المادي واللامادي بالمنطقة وبعث ورشات للحرف التقليدية التي تتميز بها منطقة سيدي الجديدي أو عبر تنظيم معارض دورية للمنتجات المحلية التقليدية ومن بينها بالخصوص انتاج الزيوت الروحية من الأعشاب الغابية وانتاج العسل وغيرها من منتجات الغابة.
وحتى يكون مشروع القرية السياحية بمنطقة سيدي الجديدي منطلقا لمقاربة جديدة في العمل التنموي الجهوي، فقد قرّرت الجهة رصد اعتمادات هامة للتدخل في حمام بنت الجديدي لصيانته واعادة تاهيله ليوفر خدمات ذات جودة عالية تحترم الحريف التونسي المحب للاسشفاء بالمياه المعدينة الحارة، ولكن امكانيات الجهة تبقى محدودة بالنظر الى ما يتطلبه تجسيم فكرة بعث قرية سياحية بسيدي الجديدي قرية للسياحة البديلة، سياحة الاستشفاء بالمياه الحارة، وسياحة بيئية للاستماع بالتجوال في الغابة وبين الجبال المحيطة بالمنطقة، تقوم على تثمين الموروث المادي واللامادي للمنطقة.