في نهج أنقلترا بتونس العاصمة، كائنة مكتبة شعبية لبيع وشراء الكتب القديمة، يعود إحداثها إلى مطلع الخمسينات من القرن الماضي، من قبل التونسي اليهودي “فيكتور غيز”، قبل أن يبيعها بعد الاستقلال للتونسي بوراوي الهذيلي الذي أغدق عليها من الإصدارات الروائية والدراسات العلمية بلغات عديدة لتكون قبلة للتونسيين ينهلون منها العلم والمعرفة.
هذه المكتبة التي ناهز عمرها 70 سنة، مهددة بالغلق والزوال بعد أن عجز وارثها فوزي الهذيلي تسديد أجور العاملين فيها وخلاص ديون الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وتسديد فواتير الكهرباء والهاتف، مما انجر عنه تراكم الديون مقابل محدودية المداخيل.
يتحدث صاحب المكتبة إلى وكالة تونس افريقيا للأنباء بنبرات ملؤها الحسرة على قراره غلق الفضاء، عن تراجع ملحوظ في عدد القراء وفي مبيعات هذه المكتبة التي عمقتها الجائحة وزادت في تأزم الوضع. ويؤكد على أن المداخيل قليلة جدا ولا تكفي لسداد ديون متراكمة، مما أجبره في نهاية المطاف على اتخاذ قراره بغلق المكتبة ودفن ما بداخلها من كنوز معرفية وعلمية. تحوز المكتبة على حوالي 300 ألف كتاب متنوع، وفق فوزي الهذيلي، وتتوزع الكتب بين روايات ودواوين شعرية وكتب فقهية وبحوث ودراسات أكاديمية وعلمية، بلغات عديدة كالفرنسية والأنقليزية، ومنها أيضا ماهو بلغات الإيطالية والألمانية والاسبانية.
ويعود إصدار بعض هذه الكتب إلى بدايات القرن العشرين، مما يجعل من المكتبة إرثا معرفيا وحضاريا وإنسانيا ينبغي المحافظة عليه والعمل على ديمومته للأجيال اللاحقة.
وتعتبر عشرات الآلاف من الكتب المؤثثة للمكتبة، بنك من المعلومات والمعارف، مما يجعلها مهددة بالاندثار لعدم وجود نسخ منها خاصة الإصدارات باللغة الفرنسية، وفق تعبير صاحب المكتبة، مضيفا أن المكان كان قبلة للوزراء خلال فترة حكم بورقيبة وكذلك للسياح الفرنسيين، بالإضافة إلى عديد الشخصيات الثقافية والأدبية.
“لقد أصبح الأمر مختلفا اليوم لا سيما بعد الثورة، فعدد القراء في اضمحلال والتكنولوجيا الرقمية زادت في ركود مبيعات المكتبة وعمقت جائحة كورونا من هذه الأزمة اليوم، لذلك أجد نفسي مجبرا مكرها على غلق هذا الفضاء المعرفي”.
ويوجه فوزي الهذيلي نداء إلى بلدية تونس لدعم المكتبة والحفاظ عليها، وحث وزارتي الشؤون الثقافية والتربية على الاهتمام بالكتاب وتشجيع المطالعة.
ورغم التراجع الملحوظ في مواردها المالية واتخاذ صاحبها قرارا بغلقها لم ينفذه بعد، مازال فوزي الهذيلي يطوف برفوف مكتبته ينفض الغبار عن بعض الكتب ويعيد ترتيبها على أمل أن يستعيد الكتاب مقامه كما في السابق.
وات
*صورة توضيحية