تحي تونس، اليوم 5 ديسمبر 2018، الذكرى 66 لاستشهاد الزعيم النقابي فرحات حشاد، المؤسس لاتحاد الشغل أول منظمة نقابية أفرقيا وعربيا، بعد أن قاد كفاحا مسلحا ضد المستعمر حتى أحرجه فتم تصفيته بالرصاص في حادثة اغتيال لم تكشف تفاصيلها ‘الدقيقة’ حتى الآن.
ولد فرحات حشاد يوم 2 فيفري 1914 في قرقنة بولاية صفاقس ونشأ في أسرة فقيرة، إذ كان والده صياد سمك، وهو أب لثلاثة أبناء.
دخل المدرسة الفرنسية في سن السادسة وحصل على الشهادة الابتدائية عام 1929، وبعد وفاة والده لم يتمكن من مواصلة تعليمه فالتحق للعمل ناقل بضائع بشركة نقل بحري، ثم عمل ناقلا للبضائع في شركة النقل بالساحل في مدينة سوسة عام 1930، و ترأس نقابة أساسية للعمال تابعة للمنظمة الفرنسية للاتحاد العام للعمل “سي جي تي”، كان ‘حشّاد’ مهتما بالقراءات الثقافية والسياسية واكتسب ثقافة وفنا في الخطابة والاقتناع.
خلال الحرب العالمية الثانية تطوع للعمل مع منظمة الهلال الأحمر لرعاية الجرحى، ثم عمل موظفا حكوميا في قطاع الأشغال العمومية في مدينة صفاقس عام 1943 و أصبح رئيسا للاتحاد العام للعمل عام 1944 ثم استقال منه وأسس اتحاد النقابات المستقلة في كل من الجنوب والشمال.
انتخب أول أمين عام للاتحاد العام التونسي بعد تأسيسه عام 1946 وعين عضوا مساعدا للأمين العام للاتحاد الدولي للنقابات الحرة “السيزل” مكلفا بالشؤون الإفريقية.
تبنى فرحات نظرية الكفاح المسلح لتحرير تونس بعد اعتقال الاستعمار الفرنسي أغلب الزعماء السياسيين التونسيين عام 1952.
قضى حشاد خلال الـ 41 التي عاشها، في الدفاع عن حقوق العمال وعن استقلال تونس من الاستعمار الفرنسي.
لكن عدم اهتمام “الاتحاد العام للعمل” بمطلب الاستقلال دفعه للانسلاخ عنه وتأسيس اتحاد النقابات المستقلة في الجنوب عام 1944 والنقابات المستقلة في الشمال عام 1945.
في 20 جانفي 1946 أسس حشاد الاتحاد التونسي العام للشغل، أكبر منظمة نقابية في تونس وأول منظمة نقابية في العالم العربي وإفريقيا، وانتخب أول أمين عام له.
انتقل للعالمية بفضل انضمام نقابته إلى الاتحاد الدولي للنقابات الحرة (السيزل) وانتخب عضوا منتدبا لدى الأمين العام للمنظمة العالمية مكلفا بالشؤون الأفريقية.
في نضاله لتحرير تونس سافر إلى سان فرانسيسكو وواشنطن ونيويورك وبروكسل وفرنسا وغيرها من الدول وكانت رحلاته مكسبا لتدويل القضية التونسية.
بعد فشل محادثات الاستقلال بين تونس وفرنسا بداية سنة 1952 اعتقلت السلطات الفرنسية جميع الزعماء الوطنيين فوجد حشاد نفسه أمام مسؤولية قيادة المقاومة التونسية.
فتح باب الكفاح المسلح السري ضد الاستعمار الفرنسي وشجع على تنظيم إضرابات وتحركات شعبية كان لها تأثير كبير على المستعمرين الذين تأكدوا أنه هو من يدير المقاومة، فأصبح مطلوبا لديهم.
وقد انتبه الاستعمار إلى تدبير سيناريوهات التخلص من النقابي ”حشّاد” حتى عثر على جثته في طريق بمنطقة ‘نعسان’ من ولاية بن عروس فجر 5 ديسمبر 1952 وعليها آثار طلقة نارية في الرأس ووابل من الرصاص في الجسم، وقد أثار اغتياله جدلا كبيرا في تونس حول الفاعلين.
وقد اعترف أنطوان ميلير عضو المنظمة الفرنسية السرية “اليد الحمراء” في كتاب أصدره عام 1997 بعنوان “اليد الحمراء: الجيش السري للجمهورية” بوقوف فرنسا وراء اغتيال حشاد.
كما قدّم الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند عام 2003 ، وثائق سرية إلى زوجة وابن فرحات حشاد تدعي أن الجهة التي قتلت حشاد ليست “اليد الحمراء” وإنما مخابرات سرية تابعة للحكومة الفرنسية ولا تزال عائلة حشاد تطالب بالكشف عن حقيقة اغتياله.
وتضيف مصادر أخرى أن الشهيد فرحات حشاد قد وصلته رسائل بريدية مجهولة تتضمن تهديدا بالقتل، وفق ما أوردته مجلة ”ليدرز” ، التي تؤكد ”.. تورط السلطة الفرنسية في عملية الاغتيال، عبر رسالة اليساري الفوضوي ‘دانيال قيران’ إلى النائب الاشتراكي ‘ألان سافري’ كاتب الدولة الأسبق بوزارة الشؤون الخارجية الفرنسية المكلف بالشؤون التونسية والمغربية في حكومة ‘غي موللي’ (جانفي 1956 – 1957) المؤرخة في 15 ديسمبر 1952 وتتضمن الرسالة ما سمع وعلم من الشهيد في 25 نوفمبر 1952 قبل اغتياله ببضعة أيام (5 ديسمبر 1952) والتي ذكر فيها اتصالاته بالمناضل الصادق المقدم عضو الديوان السري والطاهر بن عمار عضو لجنة الأربعين قبل لقائه مع الفقيد الذي أشعره بتهديدات الاغتيال التي وصلته عبر البريد؛ كما نشير إلى شهادة المناضل الاشتراكي ‘ ألان سافاري’ التي ذكر فيها أن المقيم العام ‘دي هوتكلوك’ كان يعلم بمخطط اغتيال الشهيد ولم يمنع ذلك وبالتالي كان شريكا في الجريمة المقترفة وأن الذي اغتال الزعيم حشاد هو من عناصر الجندرمة الفرنسية La garde mobile.
وينضاف لسلسلة الشهادات والمذكرات ما أورده أحد الأعضاء الناشطين في عصابة ‘اليد الحمراء’ الذي لم يتورّع في مشاركته في أعمال العصابة بـ’ قتل الأبرياء’ حسب قوله بل أفادنا بأسماء الفرنسيين الأربع الذين كان لهم دور مباشر في عملية الاغتيال وهم ‘جون لوسياني’ و’روفينياك’ و’رويزي’ و’أويزيرات’، توفي الأوّل متأثّرا بجراحه إثر مداهمة مجموعته الإرهابية محل شعبة دستورية في بن عروس في مستهل سنة 1956 وتم تهريب الثلاثة المتبقين نحو مرسيليا عن طريق بنزرت ( أنطوان ميلرو اليد الحمراء. الجناح العسكري السري للجمهورية. موناكو٬ منشورات روشي٬ 1997).
وأضاف المصدر أن ”مصلحة التوثيق الخارجي والتجسس المضاد” الفرنسية SDECE بادرت بتكوين ”الجناح العسكري الموازي لوزارة الداخلية والذي أطلقت عليه اسم اليد الحمراء” تحسّبا لتصفية الزعامات النقابية الثورية المناهضة للاستعمار.
بصرف النظر عن غياب التفاصيل الدقيقة والمهمة لاغتيال الزعيم النقابي فرحات، فإن ”مؤسسة فرحات حشاد” تواصل جمع الوثائق ومقارنة الحجج لاستخلاص الجهة التي اغتالت ‘حشاد’ والجهة التي تقف وراء المخطط بأكمله.