رغم أن مستويات سوء التغذية كانت مرتفعة للغاية قبل أزمة كورونا (كوفيد-19)، فإنه من المتوقع أن تسجل أعداد أولئك الذين يعانون من الجوع ارتفاعا أكبر خلال عام 2020.
وفي مقال نشرته صحيفة “لوموند” الفرنسية، قالت الكاتبة ماتيلد جيرارد إن ضحايا أزمة كوفيد-19 هم مزارعو البطاطس في غينيا، الذين تتعفن محاصيلهم أمام أعينهم في المزارع ويتراجع دخلهم.
كما فقدت الكثير من العائلات الفقيرة في مدينة دكا ببنغلاديش وظائفها، وباتت لا تملك سوى بعض المؤونة لسد رمقها لأيام قليلة، كما وجد طلاب الجامعات في بلدية فيلنوف داسك الفرنسية أنفسهم محرومين من المطعم الجامعي ومن وظائفهم التي يعملون فيها بدوام جزئي.
حتى جنيف!
في جميع البلدان التي تضررت من جائحة كورونا، من أغناها إلى أكثرها فقرا، امتدت قاعدة سوء التغذية إلى فئات اجتماعية جديدة، كما شهدت شوارع جنيف -التي تعد إحدى أغنى العواصم في العالم- طوابير طويلة للناس الراغبين في الحصول على الطعام.
نتيجة لذلك، يمكن للأزمة أن تتسبب في تجويع عشرات الملايين من الناس، وحسب تقديرات منظمة الأغذية والزراعة (فاو)، فإن 14.4 مليونا سينضمون إلى صفوف من يعانون من نقص التغذية في حال حدوث ركود عالمي بنسبة 2%، وسيرتفع العدد إلى 38.2 مليونا إذا بلغ الانكماش 5%، كما سيصل عددهم إلى 80.3 مليونا إذا بلغ هذا الانكماش 10%.
وأولئك الذين سيعانون من سوء تغذية في الفترة القادمة سيضافون إلى 820 مليونا يعانون بالفعل من الجوع، وتبعا لذلك يبدو أن الهدف المتمثل في القضاء على الجوع بحلول عام 2030 الذي وضعه المجتمع الدولي لنفسه بات غير قابل للتحقق، حسب الكاتبة.
وتقول الكاتبة إن التقرير الخاص بالتغذية العالمية يذكرنا بأن الأرقام كانت مرتفعة للغاية في بداية العام، حتى قبل تفشي كوفيد-19 في جميع القارات.
وتستمر معدلات سوء التغذية في بلوغ مستويات غير مقبولة على الصعيد العالمي، ويقول مؤلفو التقرير إنه رغم ملاحظة بعض التحسينات في ما يتعلق بتوفير الحليب للأطفال الرضع، فإن التقدم يبقى بطيئا للغاية على صعيد تحقيق أهداف التغذية، حيث تشمل الأمور المثيرة للقلق استقرار نسبة النساء في سن الإنجاب المصابات بفقر الدم عند 32.8%، وتأخر النمو الذي يؤثر على 21.9% من الأطفال دون سن الخامسة، والهزال الذي يعاني منه 7.3% منهم.
هشاشة النظم الغذائية
الحجر الصحي المفروض على الكثير من البلدان ينذر بتفاقم هذه المؤشرات، رغم وفرة المحاصيل الزراعية هذا العام، حسب الكاتبة.
ونقلت الكاتبة عن الباحث في الوكالة الفرنسية للبحوث الزراعية والتعاون الدولي من أجل التنمية نيكولاس بريكاس قوله إن “هذه الأزمة أزمة طلب في الأساس، وهذا لا يعني أن قاعدة العرض مستقرة، ولكن على الأقل لا وجود لتراجع ولا لارتفاع كبير في الأسعار”.
أما المسؤول عن الدفاع عن اللجنة الكاثوليكية ضد الجوع ومن أجل التنمية فالنتين بروكارد فقال “في الوقت الحالي، ليست هناك أزمة في الإنتاج الزراعي، بل أزمة في الحصول على الغذاء، لأن أسواق الغذاء مغلقة، والناس لا يملكون المال”.
ويرى فالنتين أن أوجه القصور التي تعاني منها النظم الغذائية أضحت واضحة خلال الأسابيع الأخيرة، وتتمثل في الاعتماد على العمالة الزراعية الأجنبية، وفرط تخصيص مناطق معينة للزراعة الأحادية، والاعتماد على الواردات والصادرات، كما أن وضع منتجي البطاطس في غينيا يسلط الضوء على الصعوبات التي يواجهونها في التخلص من المخزونات في أوقات الوباء بسبب نقص المشترين والأسواق.
ونقلت الكاتبة عن موسى بارا ديالو، رئيس اتحاد فلاحين فوتا جالون (شمال شرقي غينيا) الذي يضم نحو 35 ألف عضو، أنه “عندما تخسر ما يقارب 85% من محصولك، لن تجد ما تأكله، ولم يعد بإمكانك إرسال أطفالك إلى المدرسة”.
إلى جانب ذلك، فإن نحو 69% من الفلاحين نساء يعمل أزواجهن في الخارج أو أرامل، وتشمل الكارثة أطرافا عديدة، سواء كانوا المنتجين والحمالين أو البائعين أو جامعي السماد الطبيعي أو الأوراق الميتة، وهو ما يشير إلى المنعرج الذي يتخذه الاقتصاد المحلي برمته.
وحسب ديالو، فإنه للاستعداد بشكل أفضل للمستقبل، سيتعين على فوتا جالون الشروع في اعتماد إنتاج أكثر تنوعا في مجال الزراعة الإيكولوجية، التي يأمل أن تكون أكثر مقاومة للأزمات.
الخوف من الجوع أكثر من الفيروس
تطرقت الكاتبة إلى أن سوء التغذية في الأرياف، الذي يعد أقل وضوحا من سوء التغذية في المناطق الحضرية، يشكل تهديدا خاصا.
ويقول فالنتين بروكارد “سيستخدم صغار المنتجين إستراتيجيات البقاء التي لن تناسبهم على المدى الطويل. على سبيل المثال، سيستهلك المربون الأبقار المنتجة التي يقومون بتربيتها، مما قد يعرض قطعان السنة القادمة للخطر”.
في المدن الكبرى في بلدان الجنوب، إن إغلاق الاقتصاد -لا سيما القطاعات غير الرسمية- هو الذي يجعل الوضع مضطربا.
ففي دكا -التي يقطنها أكثر من عشرين مليون نسمة، بما في ذلك سبعة ملايين في الأحياء الفقيرة- هناك مخاوف من الجوع أكثر من الفيروس، وفق الكاتبة.
وعلى المدى الطويل، تعد آثار سوء التغذية مدمرة، وحسب وزيرة الزراعة السابقة بهولندا ومنسقة حركة تعزيز التغذية جيردا فيربورغ فإن كل انخفاض في الناتج المحلي الإجمالي يؤدي إلى زيادة بمعدل 0.7 مليون طفل ممن يعانون من تأخر النمو.
إدارة حالة الطوارئ
وأفادت الكاتبة بأن الجوع لن يكون العاقبة الغذائية الوحيدة للوباء، بل سيكون للركود تأثير دائم على الوجبات الغذائية الخاصة بالأشخاص الأكثر ضعفا وهشاشة، مما يثير المخاوف من زيادة الأمراض المرتبطة بالأغذية.
وهنا يقول فالنتين بروكارد “سيغير الناس مشترياتهم من الطعام إلى طعام أقل تكلفة، وأقل تنوعا. هناك خطر من زيادة معدلات نقص التغذية ونقص الفيتامينات والمغذيات الدقيقة”.
وتتطلب أزمة الغذاء الحالية استجابة عالمية ومنسقة، ويقول نيكولاس بريكاس إن التحدي لن يتمثل في إخفاء الأهداف طويلة المدى، ويضيف “لن نفلت من إدارة الطوارئ، وإن الانفجار في الطلب على المساعدات الغذائية يمثل صعوبة واضحة”.
ويتابع أن هناك قلقا من أن يحدث تجاهل لحالات الطوارئ البيئية، مشيرا إلى أن هناك بالفعل ضغطا قويا من الجهات الفاعلة اقتصاديا لتخفيف قيودها في هذا المجال.
المصدر : لوموند