وجه سياسيون تونسيون انتقادات لاذعة للدول الأوروبية عموما، وفرنسا على وجه الخصوص، بعد رفضها قرارا أمميا يقضي بإعادة الأموال التي نهبها نظام الرئيس السابق، زين العابدين بن علي.
وكان مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة اعتمد، الثلاثاء، بأغلبية أعضائه، مشروع قرار أعدَّته تونس بالشَّراكة مع ليبيا ومصر، وتبنته الدول الإفريقية، ويتعلق باسترجاع الأموال المنهوبة إلى بلدانها الأصلية.
والمشروع بعنوان “الآثار السَّلبيَّة لعدم إعادة الأموال غير المشروعة (المنهوبة) إلى بُلدانها الأصليَّة على التَّمتُّع بحقوق الإنسان”، وقد حظي بثقة ثلثي أعضاء المجلس (31 صوت)، حيث ساندته الدول العربية والإسلاميَّة وعدد من دول آسيا وأمريكا اللَّاتينيَّة، وعارضته دول الاتحاد الأوروبي ومنها فرنسا.
وأكدت الخارجية التونسية أن المشروع يأتي “في إطار حشد المجهودات الوطنية والإقليمية والدولية على مستوى التعاون متعدد الأطراف لتحسيس المجموعة الدولية بأهمية استرجاع هذه الأموال وحق شعوبنا في تقرير مصيرها في ثرواتها بما يساعدها على إنفاذ الحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي تشكل جزءا لا يتجزأ من منظومة حقوق الانسان وعاملا أساسيا في مكافحة الفساد وإرساء دعائم الحكم الرشيد”.
وكتب رئيس حزب المجد، عبد الوهاب الهاني “انتصار أُمَمِي لتونس على طريق استعادة أموالنا المنهوبة، رغم الرَّفض الفرنسي والأوروبي والغربي (…) فشكرا لكل من ساند حق الشَّعب التُّونسي في استرداد أموالنا المنهوبة. وعتابا شديدا على الدُّول الَّتي خذلت تونس ولم تنتصر للحق.. والشُّكر لجنود الخفاء، جنود الدبلوماسيَّة التُّونسيَّة في جنيف وفي العاصمة تونس على ما بذلوه من مجهودات تُبقي على جذوة المُطالبة بالحق والإصرار عليه (…) أمل أن يستفيق أحرار الفرنسيِّين والأوروبيِّين لُيعيدوا حكوماتهم إلى سبيل الحق. فلا ضاع حقٌّ وراءه طالب”.
وأضاف الباحث والمستشار الحقوقي، ناصر الهاني “من يقف ضد استرجاع الاموال المنهوبة هي الدول الغربية، لان جزء هام من الودائع عندها هي تلك الاموال التي تسند مؤسساتها المالية وتسند الاستثمار، وهو جزء من سياسة استعمارية جديدة، بان تساعد الفاسدين على الوصول الى السلطة فيعطونهم امتيازات استثمارية لنهب ثروات بلدانهم ثم يودعون اموالهم التي نهبوها غالبا في شكل رشاوى لصفقات عامة فازت بها الدول الغربية او السماح بتجاوزات ضريبية او جمركية لتهريب عملة او مواد اولية وغيرها”. وتابع بقوله “هذه الدول ذاتها فيها قوانين تبييض ونقل الاموال متطورة جدا ولا تقبل بحصول الاشخاص على اموال ليس لها ما يبررها من معاملات، بينما تتغاضى مثلا عن تهريب رئيس لاموال طائلة تتجاوز تحويلاته اليها الاف المرات اجرة رئيس جمهورية. لماذا لا تطبق اوروبا قوانينها التي تفرضها علينا، والتي من اجل بضعة يوروهات قد تصنف البنوك التونسية والدولة التونسية على قوائم سوداء، وتطلب ضمانات تصل الى حد وضع عناصر على مستوى لجان البنك المركزي لتطمئن اننا لا نسمح بعدم التثبت من عدم شرعية الاموال المتداولة؟ هم يحرمونك مما ينشطون به اقتصادهم يمنعون عنك ان تضر باقتصادهم بسنتيمات وفي المقابل ينسجون افضل المسالك حتى تستقر مليارات المليارات في بنوكهم دون عودة”.
وقال نجيب مراد القيادي في حركة النهضة إن فرنسا التي “عَادَت الثورة التونسية بكلّ شراسة ولا زالت، صوّتت مساء الثلاثاء في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتّحدة ضدّ مشروع قرار إفريقي يقرّ بحقّ تونس في استرجاع الأموال المنهوبة والمهرّبة للخارج. فرنسا وأذرعها السياسية والإعلامية والثقافية والنقابية في تونس هي حليفة الفاسدين وأكبر عدوّ للثورة التونسية”.
واعتبر المحلل السياسي الحبيب بوعجيلة أن تصويت فرنسا ضد المشروع هو “استمرار لسياسة ارسال القنابل المسيلة للدموع للمخلوع الراحل (بن علي)، وهو بالضبط في سياق الاختراق الذي مارسه المقيم العام (السفير الفرنسي) السابق بعد ان نجح في تجنيد مستهدفين للتجربة الديمقراطية من داخل الديمقراطيين انفسهم والانصار السابقين للثورة ممن انتخبهم الناس في 2019 كقوى رديفة للانتقال والثورة ولكنهم انفضحوا سريعا وجعلونا نتجرع خيبة الخديعة الكبرى”.
وأضاف “التنويرية الفرنسية الجديدة سيكون لها حلفاء جدد من الخط الديمقراطي الثوري الوطني الديكولونيالي الذي سينشأ ليخط علاقة جديدة مع فرنسا. علاقة التكامل والندية. انتهى عصر من يسميهم هنتنغتون “عبيد الرجل الابيض” وهم النخب التابعة التي تركها الاستعمار بعد ذهابه والتي اشتغلت عليها فرنسا لتنصيب بقاياها ومواليدها واحفادها بعد 2011 ولكنها وجدتهم اعجز من ان يتصرفوا كمستقلين قادرين على صناعة بديل مقبول لمنظومتهم المتهاوية”.
وتابع بوعجيلة بقوله “فرنسا اليمينية الكولونيالية تتراجع في دارها وترتخي قبضتها في الملعب الدولي وفرنسا الجديدة تصعد باطراد وسوف تشبك مع النخبة الوطنية السيادية الصاعدة في جنوب المتوسط وشرقه. من مفارقات الزمن ان من ظلوا باستمرار على امتداد النصف الثاني من القرن العشرين يرفعون لواء العروبة كشعار سيادي في مواجهة “العملاء” اصبحوا في العقد الاول من القرن الواحد والعشرين وبعد الثورات العربية اذرعا عند اسوأ نظم الالحاق التي قاومت الناصرية (الامارات و السعودية) وعند اسوأ قيادات العدوان الثلاثي (فرنسا). انظر مصائر قيادات واحزاب قومية في لبنان والعراق وتونس منذ اعوام”.
وكالات