فرضت جائحة كورونا على مختلف الفاعلين في الدولة التدخل واتخاذ إجراءات وقرارات تساهم في الحد من انتشارها وكسر حلقات العدوى كل من جهته، وباعتبارها هياكل للحكم المحلي تتمتع بالاستقلالية، كان لبلدية وادي مليز دورا مهما في إدارة هذه الأزمة من خلال الحرص على تطبيق الإجراءات المعلنة أو اتخاذ إجراءات مكملة لها تساهم في كسر حلقات العدوى أو تأزم الأوضاع في حالة سوء الإدارة.
في هذا الإطار، كان لنا حديث مع رئيس بلدية وادي مليز، السيد هشام مرزوقي الذي حدثنا عن الدور الذي قامت به بلديته خلال هذه الجائحة، وعما يمكن أن تساهم به خلال الحملة الوطنية للتلقيح.
بداية، فيما يتمثل دور البلدية لمجابهة هذه الجائحة ؟
يتمثل دورنا كسلطة محلية في تنفيذ القرارات التي يناقشها رؤساء البلديات وأعضاء اللجنة الجهوية لمجابهة الكوارث بجندوبة، والتي يرأسها والي الجهة رفقة عدد أخر من الأعضاء، إلى جانب تنفيذ القرارات التي تصدرها اللجان المحلية والقرارات الصادرة عن رئاسة الحكومة.
كما نقوم بحملات التعقيم والتوعية والحث على احترام البروتوكول الصحي وفض مناطق وأسباب الاكتظاظ، إلى جانب القيام بدورنا الرقابي على المحلات والمخابز والمقاهي للوقوف على مدى التزامهم بالإجراءات الصحية.
ما هي مجالات استشارتكم كرؤساء بلديات ؟
نناقش خلال اجتماعات اللجنة الجهوية الحالة الصحية في الولاية عامة ودرجة الخطورة في مختلف البلديات، وبناء على ذلك نتخذ جملة من القرارات التي تسعى البلدية إلى الالتزام بها وتنفيذها بالشراكة مع المجتمع المدني.
كما نناقش مدى تأقلم هذه الإجراءات مع الوضعية الاقتصادية والاجتماعية وتأثيراتها على موارد البلدية، فيما يبقى التشخيص العلمي للوضعية الصحية من مهام أهل الاختصاص من أعوان الصحة.
هل تحتاج بلدية وادي مليز، حسب طبيعتها، إلى إجراءات خاصة أو استثنائية للحد من انتشار العدوى؟
وادي مليز هي منطقة ريفية شاسعة، يطبق فيها التباعد الاجتماعي طبيعيا. لا توجد بالبلدية مساحات تجارية كبرى، ولا فضاءات يجتمع فيها عدد كبير من الناس. السوق الأسبوعية شاسعة، تمسح حوالي 3 هكتارات، يعني أن مسألة التباعد محسومة وفي الغالب محترمة طبيعيا.
أما فيما يخص ارتداء الكمامة ورفع الكراسي من المقاهي، فإننا نعول على وعي المواطنين، مع حرص البلدية من خلالها حملات المراقبة على فرض احترام هذه الإجراءات.
وفيما يتعلق بقرارات الإغلاق على غرار السوق الأسبوعية التي يمثل أحد الموارد الرئيسة للبلدية، فإن مثل هذه الإجراءات تعتبر ضربة قاسمة لموارد البلدية التي توفر عبرها أجور موظفيها، ولا ننكر أن عديد قرارات الإغلاق التي رافقت الجائحة ساهمت بشكل كبير في تراجع إمكانية البلدية، مسجلين عجزا صعب عن تعويضه.
ما طبيعة الصعوبات التي واجهتكم خلال مجابهتكم لجائحة كورونا ؟
ضعف التنسيق وغياب التعاون صعب مهمتنا في تجاوز هذه الأزمة. لقد سبق لبلدية وادي مليز خلال الموجات السابقة رغم حدتها تسجيل صفر حالة بفيروس كورونا، وسجلنا ذلك بعد عمل ارتكز على التنسيق وتبادل المعلومات مع مختلف المتدخلين.
لقد كان هناك تنسيقا خلال الموجات السابقة بيننا وبين الإدارة الجهوية للصحة، وكانت تصلنا قوائم اسمية بالأشخاص الحاملين للفيروس، نتعرف عليهم بحكم أن المنطقة صغيرة “والناس تعرف بعضها”، وبالتالي نسعى قدر الإمكان لضمان بقاء هؤلاء في منازلهم من خلال سعينا توفير حاجياتهم حتى لا يضطرون للخروج ويساهموا في نشر العدوى.
لكن مع تطور الأوضاع الصحية أصبحت الهياكل الصحية الجهوية تحتكر المعلومة وتمتنع عن مدنا بها نحن السلط المحلية وأصبحت لا تتعاون معنا، في الوقت الذي نسعى إلى نفس الهدف وهو كسر حلقات العدوى، وتعلل الهياكل الصحية قرارها بأنه يدخل ضمن حماية المعطيات الشخصية.
ضعف التنسيق والاكتفاء بمدنا بالأرقام حول التطورات الصحية بالمنطقة دون القائمات الاسمية لأصحابها ساهم في انفلات الأوضاع في البلدية وتفاقم عدد الإصابات، والسبب هو عدم معرفتنا بالأشخاص المصابين الذين يمكن أن يتجاوزوا قرارات الحجر ويساهموا في نشر العدوى في المنطقة دون أن نعرفهم.
هل تعتبر ضعف التنسيق بين البلدية والإدارات الجهوية سببا في تفشي الفيروس ؟
بالتأكيد، لذلك دور كبير، وما وصلنا إليه اليوم من أرقام مخيفة دفعني لأجدد مطلبي بضرورة العودة كما كنا سابقا، وبضرورة أن تكون البلدية على إطلاع على قائمة المصابين.
وفي طلبي بررت أسباب هذا الطلب، وبينت مدى مساهمته عبر التجارب السابقة في الحد من انتشار العدوى، وشددت على أن ذلك لا يمثل انتهاكا للمعطيات الشخصية للأشخاص، سيما وأن البلاد في حالة حرب، وقد قدمت كل الضمانات التي ستتخذها البلدية حتى لا يقع انتهاك هذه المعطيات سيما وأن البلدية لن تشهر، بل ستعمل على متابعتهم وتحميل المسؤولية للمخالفين للإجراءات فقط.
إلى الآن مازلت أنتظر مآل مطلبي، الذي أكدت وأجدد تأكيدي بأنه عمليا ساعدنا كثير في كسر حلقة العدوى، والوصول إلى صفر إصابة.
ما هي الصعوبات الأخرى التي تعاني منها البلدية ؟
من الصعوبات الأخرى التي تؤرق عمل البلدية، ما يتعلق بتلقيح أعوان النظافة، أكثر الفئات عرضة للإصابة بالفيروس نظرا لطبيعة عملهم، والتي من بينها التخلص من فضلات الأشخاص المصابين والخاضعين للحجر الصحي.
أيضا الأعوان المكلفين بالدفن، من المعيب على الدولة عدم اهتمامها بهؤلاء، بل من غير المعقول أن يبقوا إلى الآن دون تلقيح. أعتبر الأمر خطير لأنهم في تواصل مباشر مع الفيروس.
كيف يمكن أن تساهم البلدية في الحملة الوطنية للتلقيح ؟ وأي دور يمكن أن تضطلع به ؟
السائد اليوم أن ضعف الانخراط في منظومة الوطنية للتلقيح يبرر بعزوف المواطنين، وهذا غير صحيح.
هل تعرف الدولة طبيعة عيش المواطنين الذي ينتمون إلى المناطق الحدودية والمناطق الريفية، وهي الفئات التي تمثل الأغلبية بالنسبة لبلدية وادي مليز على سبيل المثال، هل تعلم الدولة مناخات عيشهم ؟ أكيد لا.
هؤلاء غالبيتهم لا يمتلكون هواتف، وحتى إن كان لديهم، فئات واسعة منهم لا يجيدون إلا استقبال المكالمات، أي أنه حتى في حالة مساعدتهم على التسجيل، فإنهم لن يفهموا طبيعة الرسالة التي تؤكد موعد تلقيهم التلقيح، وقد لا يجيدون قراءتها.
نحن كبلدية وكسلطة محلية نعلم جيدا طبيعة عيش هذه الفئات، وبناء على كل ذلك عملنا على اقتراح أن تقوم هياكل الدولة على اختلافها بالتلقيح لهؤلاء والوصول إليهم أينما كانوا، ونحن كبلدية قمنا بدورنا وفسرنا كيف يمكن القيام بذلك ومدى أهميته.
ما هي خطتكم للمشاركة في ذلك ؟
باعتبارها منطقة ذات طابع ريفي، هل تعلم أن البياطرة يتنقلون بين مختلف المناطق للتلقيح للحيوانات في منازلهم، ويتم تمكين الحيوانات من شهادة تفيد التلقيح.
في المقابل نحن رغم إعلاننا حالة الحرب ضد الفيروس إلا أن الحملة الوطنية للتلقيح مازالت متشبثة بخيار التسجيل المسبق في منظومة التلقيح وانتظار تحديد الموعد… هذا التمشي ذو نتائج محدودة في الحروب.
وسبق أن أكدنا في مختلف الجلسات التي عقدتها اللجنة الجهوية لمجابهة فيروس كورنا على أهمية السير في هذه الخطة، لكن الرد دائما يكون بتبرير ضعف الإمكانيات.
تشبثنا، ولم يثنينا ذلك، وقمنا بعد التشاور بين البلديات (بلدية وادي مليز ورغش وغار الدماء) بمراسلة لوزير الصحة والوالي والمندوب الجهوي للصحة، وعبرنا عن استعدادنا مد يد المساعدة في هذه الحرب من أجل تكثيف وإنجاح حملة التلقيح، إلى جانب تأكيد استعدادنا لتوفير السيارات والسواق والتكفل بحملة دعائية تشجع المواطنين للإقبال على التلقيح حتى في أصعب المناطق.
ما الذي شجعكم على السير في هذا المقترح ؟
كسلطة للحكم المحلى، نحن على علم وعلى إطلاع بظروف عيش المواطنين، فالمناطق الريفية البعيدة على غرار الصرية وعباسة وعين سلطان، إمكانية انخراط سكانها في منظومة التلقيح ضعيفة جدا، نظرا لعدة اعتبارات.
في تلك المناطق ونظرا لطبيعتها يمرض أحيانا المواطن ولا يستطيع هبوط سفوح الجبال الوعرة وتحمل عناء النقل للعلاج، فما بالك الالتزام بموعد مضبوط بالساعة تحدده المنظومة للتلقيح.
تعتبر عملية الانخراط بالنسبة لهؤلاء مكلفة ومجهدة في آن واحد، فحتى يتمكن المواطن من الوصول إلى مركز التلقيح عليه أن التنقل عبر وسيلتين للنقل على الأقل، أحيانا 3 أو4 للوصول إلى مراكز التلقيح التي تعيش حالة من الاكتظاظ، ما سيضطره إلى الانتظار في ظروف تفتقر إلى التنظيم وفي ظل ظروف مناخية قاسية.
كل هذا، وانشغال المواطن وخوفه من عدم إيجاد وسيلة نقل تعود به للمنزل، يجعله يفكر مرتين وثلاثة قبل الاقتناع بفكرة التلقيح، وهو ما يبرر ضعف الإقبال.
نحن كبلدية على إطلاع بهذه المشاغل، ونريد تجاوز كل ذلك رغم ضعف إمكانياتنا، فقط تحملنا مسؤوليتنا كسلطة محلية، واقترحنا مشاركتنا وعبرنا عن دعمنا لفكرة التنقل للمناطق لتلقيح المواطنين في منازلهم، وفق واستنادا لما سبق ذكره.
كما أن هناك عديد المقومات المساعدة التي باستغلالها ستساهم في إنجاح هذه الخطة، على غرار مراكز الرعاية الأساسية الموجودة في مختلف المناطق التي يمكن استغلالها في هذا المجال.
هذه المراكز قامت بأدوار مهمة من الاستقلال إلى الآن، وعبرها قام التونسيون بالعلاج والتلقيح ضد مختلف الأمراض والأوبئة التي مرت بها تونس.
هذه المراكز بها ممرضين وإطارات قادرة على المساهمة في حملتنا، مما سيمكننا من تفادي الاكتظاظ المسلط على مراكز التلقيح، إلى جانب عدم إثقال كاهل المواطن بعناء التنقل… كل هذا درسناه ونعلم مدى قدرته على المساهمة في الحملة الوطنية للتلقيح، ونحاول في كل مرة التماس الإصغاء للذهاب فيه.
أنجز هذا العمل في إطار برنامج مراسلون “مراسلو الديمقراطية المحلية” تحت إشراف المؤسسة الدولية للنظم الانتخابية IFES تونس، الهادف إلى المساهمة في إنشاء صحافة محلية ناجعة تعمل على ترسيخ قيم ومبادئ الحكم المحلي ومتابعة العمل البلدي.
احمد الكحلاني