تصدر إيمانويل ماكرون البالغ من العمر 39 عاما والذي يحدد موقعه بأنه “لا من اليمين ولا من اليسار”، الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي جرت أمس الأحد ، مدافعا بشدة عن عزمه على تخطي الانقسامات الحزبية التقليدية.
ويمثل ماكرون نموذج الطبقة الفرنسية المثقفة، وهو موظف كبير سابق في الدولة تخرج من معاهد النخب ثم عمل مصرفي أعمال، ودخل السياسة عام 2012 مستشارا للرئيس هولاند.
ومن هذه الخبرة في ظل السلطة والتي تبعتها سنتان على رأس وزارة الاقتصاد، يقول إنه استخلص عبرة أساسية وهي أن النظام السياسي الحالي يعاني من “اختلال وظيفي”.
وقال فرنسوا هولاند مؤخرا في جلسة مصغرة “أعتقد أن ماكرون، وتحديدا لأنه كان من خارج الحياة السياسية التقليدية، أحسّ بأن الأحزاب الحاكمة ولدت نقاط ضعفها بنفسها، وفقدت جاذبيتها الخاصة، وباتت (…) بالية، متعبة، هرمة”.
وحمل هذا الحدس الوزير الشاب في مطلع 2016 على تأسيس حركته التي اختار لها اسم “إلى الأمام!”، ووصل عدد منتسبيها إلى حوالي 200 ألف أغلبهم من الشباب.
وانسجاما مع رغبة الفرنسيين في التجديد السياسي، راهن هذا المرشح الذي انطلق في حملته بدون أي خبرة انتخابية، على “تغيير البرمجيات” في المشهد السياسي ليصبح من المرشحين الأوفر حظا.
واستفاد من المتاعب التي واجهها مرشح اليمين فرنسوا فيون بعد اتهامه رسميا بفضيحة وظائف وهمية لصالح أفراد من عائلته، وحظي بدعم شخصيات أساسية مثل السياسي الوسطي فرنسوا بايرو، مسجلا تصاعدا تدريجيا في استطلاعات الرأي.
وقال ماكرون الذي حصل على ما بين 23 و24 بالمائة من الاصوات في أعقاب الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية “نطوي اليوم بوضوح صفحة من الحياة السياسية الفرنسية”، مضيفا “عبر الفرنسيون عن الرغبة في التجديد. إن منطقنا هو منطق الجمع الذي سنواصله حتى الانتخابات التشريعية” في 1 جوان 2017.
وكان محترفو السياسية بكل توجهاتهم قد استقبلوا ترشح ماكرون للانتخابات الرئاسية بازدراء لعدة اعتبارات منها أنه لم يسبق له أن تولى أي منصب منتخب، سخر هؤلاء لفترة طويلة من غموض مشروعه، غير أن وزير الاقتصاد السابق في حكومة الرئيس الاشتراكي فرنسوا هولاند بين أوت 2014 و2016 خالف توقعات كل الذين اعتبروه مجرد “فورة” إعلامية.
وسيواجه ماكرون في الدورة الثانية من الانتخابات مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبن (48 عاما).
ويبني ماكرون كل طروحاته حول خط أساسي يقضي بالتوفيق بين “الحرية والحماية”، فيدعو إلى إصلاح مساعدات العاطلين عن العمل ويقترح تدابير “تمييز إيجابي” لصالح الأحياء الفقيرة. ويستهدف برنامجه بشكل أساسي الطبقات الوسطى التي يقول إنها “منسية” سواء من اليمين أو اليسار.
ويعتمد ماكرون خطابا خارجا عن إطار الأحزاب التقليدية يتسم بالليبرالية بالمعنى “الأنكلوسكسوني” للمفهوم، أي ليبرالية اقتصادية إنما كذلك اجتماعية، فيجتذب شبان المدن وأوساط الأعمال. غير أنه لا يحظى بالتأييد ذاته لدى الطبقات الشعبية والريفية المعارضة للعولمة التي يدعو إليها. ويقول منتقدوه إنه ـ”مخادع” مليء بـ”التناقضات”.
ماكرون من هواة الأدب، يزين خطاباته باستشهادات من شعراء، وغالبا ما يصعد اللهجة في تجمعاته الانتخابية.
وقد قال عن نفسه قبيل الاقتراع في الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية: “إنني محارب، مقاتل، لست رجل ندم وأسف”.
وكان ماكرون فاز بتأييد حوالي أربعين خبيرا اقتصاديا معروفا أشادوا في نص مشترك بمشروعه من أجل الاتحاد الأوروبي ووصفوه بأنه “صفقة جديدة” أوروبية.
وجَهٍد هذا المناصر لأوروبا “في الصميم”، لتعزيز موقعه على هذا الصعيد، فالتقى المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل في منتصف مارس 2017 في برلين، وهو يثير الاهتمام والتعاطف في ألمانيا.
وقبل ثلاثة أيام من الانتخابات، تلقى اتصالا هاتفيا من الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما الذي أعرب لاحقا على لسان المتحدث باسمه، عن “تقديره” للحديث الذي جرى بينهما، من غير أن يقدم له دعمه الرسمي.
وخلافا لمنافسيه، لا يسعى ماكرون الى إخفاء حياته الخاصة ويقوم بحملته برفقة زوجته بريجيت، وهي مدرسته السابقة للغة الفرنسية.